فصل: كتَاب الدَّعَوات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.كتَاب الدَّعَوات:

.250- باب فضل الدعاء:

قَالَ الله تَعَالَى: {وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
قال البغوي: أي اعبدوني دون غيري، أجبكم، وأثبكم، وأغفر لكم، فلمَّا عَبَّرَ عن العبادة بالدعاء، جعل الإِثابة استجابة، وساق بسنده حديث النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «إنَّ الدعاء هو العبادة».
وروى أبو يعلى عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عزَّ وجلّ قال: «أربع خصال، واحدة منهن لي، وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين عبادي.
فأما التي لي: فتعبدني لا تشرك بي شيئًا.
وأما التي لك عليَّ: فما عملت من خير جزيتك به.
وأما التي بيني وبينك: فمنك الدعاء وعليَّ الإِجابة.
وأما التي بينك وبين عبادي: فارض لهم ما ترضى لنفسك»
.
وقال تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].
أي: المتجاوزين.
قال أبو مجلز: هم الذين يسألون منازل الأنبياء.
وقال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت، والنداء بالدعاء والصياح.
وقال ابن جرير: {تَضَرُّعًا}: تذلُّلًا واستكانة لطاعته. و{خُفْيَةً}. يقال: بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين بواحدنيته وربوبيته، فيما بينكم وبينه لا جهارًا ومرآةً.
وقال تَعَالَى: {وَإذا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنِّي قَريبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} الآية [البقرة: 186].
عن معاوية بن حيدة، أنَّ أعرابيًّا قال: يَا رسول الله، أقريبٌ ربنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي}.
وعن ابن عباس قال: قال يهود أهل المدينة: يَا محمد، كيف يسمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام، وأن غلظ كل سماء مثل ذلك، فنزلت هذه الآية.
قال ابن كثير: والمراد أنه تعالى لا يجيب دعاء داعٍ ولا يشغله عنه شيء، بل هو سميع الدعاء. ففيه: ترغيب في الدعاء وأنه لا يضيع لديه تعالى.
وعن أبي سعيد، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو الله عزَّ وجلّ بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل الله له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها». قالوا: يَا رسول الله! إذًا نكثر. قال: «الله أكثر». رواه أحمد.
وقال تَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62].
أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضرّ المضرورين سواه.
{وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ}، أي: خلفًا بعد سلف.
{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} يقدر على ذلك {قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}.
1465- وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
يعني: أن الدعاء هو خالص العبادة كما في حديث أنس عند الترمذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء مخُّ العبادة». والمعنى أن العبادة لا تقوم إلا بالدعاء، كما أن الإنسان لا يقوم إلا بالمخِّ.
قال القاضي عياض: أي: هو العبادة الحقيقة التي تستأهل أنْ تسمى عبادة، لدلالته على الإقبال على الله، والإعراض عما سواه.
وقد قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18].
وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5، 6].
1466- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: كَانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ الجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ. رواه أَبُو داود بإسناد جيدٍ.
أي: يستحب الدعاء الجامع للمهمات والمطالب، فيكون قليل المبنى، جليل المعنى.
1467- وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أكثرُ دعاءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ». متفق عَلَيْهِ.
زاد مسلم في روايتهِ قَالَ: وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا أرادَ أنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ دَعَا بِهَا، وَإِذَا أرادَ أنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهِ.
يدخل في الحسنة، كل خير ديني ودنيوي، وصرف كل شر.
1468- وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الهُدَى، والتُّقَى، والعَفَافَ، والغِنَى». رواه مسلم.
الهدى: ضد الضلالة. والتقى: امتثال الأوامر واجتناب النواهي. والعفاف: الكف عن المعاصي والقبائح. والغنى: الاستغناء عن الحاجة إلى الناس.
1469- وعن طارق بن أَشْيَمَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يَدْعُوَ بِهؤلاَءِ الكَلِمَاتِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِني، وَعَافِني، وَارْزُقْنِي». رواه مسلم.
وفي روايةٍ له عن طارق: أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأتاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رسول اللهِ كَيْفَ أقُولُ حِيْنَ أسْأَلُ رَبِّي؟ قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِني، وارْزُقْنِي، فإنَّ هؤلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ».
بدأ بالمغفرة لكونها كالتخلية، لما فيها من التنزيه من إقذار المعاصي، وعقبها بالرحمة لكونها كالتحلية، وعطف عليها الهداية، عطف خاص على عام، وبعد تمام المطالب سأل الله العافية ليقدر على الشكر، وطلب الرزق لتستريح نفسه عن الهم بتحصيله.
1470- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبنَا عَلَى طَاعَتِكَ». رواه مسلم.
أي: صرّف على طاعتك قلوبنا، فلا تنزعها بعد الهدى.
وأول الحديث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه كيف يشاء». ثم قال: «اللَّهُمَّ مصرِّف القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك».
1471- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ». متفق عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ قَالَ سفيان: أَشُكُّ أنِّي زِدْتُ واحدةً مِنْهَا.
الجهد: المشقة. وكل ما أصاب الإنسان من شدة المشقة، وما لا طاقة له بحمله، ولا يقدر على دفعه عن نفسه، فهو من جهد البلاء.
{رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]، قيل: إن التي زاد فيها سفيان هي شماتة الأعداء، وهذا دعاء جامع للتعوذ من شر الدنيا والآخرة.
1472- وعنه قَالَ: كَانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللَّهُمَّ أصْلِحْ لِي دِيني الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا مَعَاشِي، وأَصْلِحْ لِي آخِرتِي الَّتي فِيهَا مَعَادي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ». رواه مسلم.
هذا من الأدعية الجوامع، فإن الله تعالى إذا وفق العبد للقيام بآداب الدين، ورزقه من الحلال كفافًا، ووفقه للإخلاص، وحسن الخاتمة، وأطال عمره على طاعته، ووقاه من الفتن، فقد حصل له سعادة الدنيا والآخرة.
1473- وعن علي رضي الله عنه قال: قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قُلْ: اللَّهُمَّ اهْدِني، وسَدِّدْنِي».
وفي رواية: «اللَّهمَّ إنِّي أسْألُكَ الهُدَى والسَّدَادَ». رواه مسلم.
وفي مسلم زيادة: «واذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد سداد السهم». الهدى: هنا الرشاد، وسداد العمل: تقويمه على السنَّة.
1474- وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ، والهَرَمِ، والبُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ».
وفي رواية: «وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ». رواه مسلم.
العجز: عدم القدرة على الخير. والكسل: التثاقل عنه. والجبن: الخوف، وضعف القلب، وهو ضد الشجاعة.
والهرم: الكِبَر والضعف في العقل. والبخل: ضد السخاء.
قوله: «وأعوذ بك من عذاب القبر»، أي: العذاب الكائن فيه.
وفي الحديث: «القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، فإن حسن فما بعده أحسن، وإن قبح فما بعده أقبح».
قوله: «وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات»، أي: الحياة والموت.
«وَضَلَعِ الدَّيْنِ»، أي: ثقله وشدته.
قال بعض السلف: ما دخل همُّ الدين قلبًا إلا ذهب من العقل ما لا يعود إليه.
وقوله: «وغلبة الرجال». فيه: إشارة إلى التعوذ من أن يكون مظلومًا أو ظالمًا.
1475- وعن أَبي بكر الصديق رضي الله عنه: أنَّه قَالَ لرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ في صَلاَتِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». متفق عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ: «وفي بيتي» وَرُوِيَ: «ظلمًا كثيرًا» ورُوِي: «كبيرًا» بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة؛ فينبغي أنْ يجمع بينهما فيقال: كثيرًا كبيرًا.
أي: ينبغي أنْ يحتاط فيجمع بين الروايتين.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأحسن أن يؤتى بالدعاء على إحدى الروايتين، ويعاد ثانيًا باللفظ الآخر.
1476- وعن أَبي موسى رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كَانَ يدْعُو بِهذا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وإسرافِي في أمْرِي، وَمَا أنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي؛ وَخَطَئِي وَعَمْدِي؛ وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ، وَمَا أنتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ، وأنْتَ المُؤَخِّرُ، وأنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». متفق عَلَيْهِ.
فيه: استحباب الاستغفار بهذا الدعاء.
قال بعض السلف: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقال بعضهم: هفوات الطبع البشري لا يسلم منها أحد. والأنبياء وإنْ عصموا من الكبائر لم يعصموا من الصغائر.
1477- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقول في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ ومنْ شَرِّ مَا لَمْ أعْمَلْ». رواه مسلم.
قال الشارح: استعاذ صلى الله عليه وسلم من أنْ يعمل في المستقبل من الزمان ما لا يرضاه الله تعالى. فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
وقيل: استعاذ من أن يصير معجبًا بنفسه في ترك القبائح، وسأل أن يرى ذلك من فضل الله عليه، لا بحوله وقوته. وهذا تعليم منه صلى الله عليه وسلم لأمته، وأداءٌ لحق الربوبية، وتواضعًا للحضرة الإلهية.
1478- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ مِن دعاءِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ، وتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وفُجَاءةِ نِقْمَتِكَ، وَجَميعِ سَخَطِكَ». رواه مسلم.
فُجَاءة: بضم الفاء وفتح الجيم ممدودة. وروي بفتح الفاء وسكون الجيم.
خص فجاءة النقمة بالاستعاذة؛ لأنها أشد من أن تصيبه تدريجًا.
1479- وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، والبُخْلِ والهَرَمِ، وَعَذابِ القَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّها أنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ؛ وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ؛ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجابُ لَهَا». رواه مسلم.
العلم الذي لا ينفع، هو الذي لا يعمل به.
وقيل: هو الذي لا يهذب الأخلاق الباطنة، فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة وأنشد:
يا من تباعد عن مكارم خلقه ** ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة

من لم يهذّب علمُه أخلاقَه ** لم ينتفع بعلومه في الآخرة

1480- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يقول: «اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ. فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنتَ المُقَدِّمُ، وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلهَ إِلا أَنْتَ».
زَادَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: «وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللهِ». متفق عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: كمال الرجوع إلى الله تعالى، والركون إليه في الأحوال كلها، والاعتصام بحبله، والتوكل عليه.
قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].
قال بعضهم:
إذا لم يعنك الله فيما تريده ** فليس لمخلوق إليه سبيل

وإن هو لم يرشدك في كل مسلك ** ضللت ولو أن السماك دليل

1481- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يدعو بِهؤُلاءِ الكَلِمَاتِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ الغِنَى وَالفَقْرِ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح)؛ وهذا لفظ أَبي داود.
قوله: «من فتنة النار»، أي: الفتنة المسبب عنها النار.
قوله: «ومن شر الغنى»، أي: الشر المرتب عليه، كالكبر والعجب، والشره، والحرص، والجمع للمال من الحرام، والبخل، والشح.
«وشر الفقر»: كالتضجر، والتبرم من القدر، والوقوع في المساخط بسببه.
1482- وعن زياد بن عِلاَقَةَ عن عمه، وَهُوَ قُطْبَةُ بنُ مالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأخْلاَقِ، وَالأعْمَالِ، والأهْواءِ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
الأخلاق المنكرة، كالعجب، والكبر، والخيلاء، والفخر، والحسد، والتطاول، والبغي، ونحو ذلك.
والأعمال المنكرة، كالزنى وشرب الخمر، وسائر المحرمات.
والأهواء المنكرة، كالاعتقادات الفاسدة، والمقاصد الباطلة.
زاد الترمذي: (والأدواء). وهي الأدواء المنكرة، كالبرص، والجنُونِ والجذام، وسيِّء الأسقام.
1483- وعن شَكَلِ بن حُمَيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قلتُ: يَا رسولَ الله، علِّمْنِي دعاءً أَدْعُو بِهِ، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
... أن تواقعه في المعاصي، أو لا يستعملها في الطاعات.
1484- وعن أنس رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ، والجُنُونِ، والجُذَامِ، وَسَيِّئِ الأسْقَامِ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيحٍ.
عطف سيء الأسقام على ما قبله، من عطف العام على الخاص.
1485- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ، فَإنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وأعوذُ بِكَ منَ الخِيَانَةِ، فَإنَّهَا بِئْسَتِ البِطَانَةُ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
فيه: مشروعية الاستعاذة من الجوع لأنه يضعف القوى، ويخل بوظائف العبادة، والاستعاذة من الخيانة؛ لأنها من علامات النفاق.
1486- وعن عليّ رضي الله عنه أنَّ مُكَاتبًا جاءهُ فَقَالَ: إنِّي عَجِزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأعِنِّي، قَالَ: ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ عَلَّمَنِيهنَّ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلٍ دَيْنًا أدَّاهُ اللهُ عَنْكَ؟ قَالَ: قُلْ: «اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
فيه: استحباب الدعاء بهؤلاء الكلمات.
1487- وعن عِمْرَانَ بن الحُصَينِ رضي الله عنهما: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ أبَاهُ حُصَيْنًا كَلِمَتَيْنِ يَدْعُو بهما: «اللَّهُمَّ ألْهِمْني رُشْدِي، وأعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
أي: ألهمني بالتوفيق للأعمال الصالحة المقربة إليك. و«أعذني»: أي: أعصمني من شر نفسي فإنها الداعية لحتفي وطردي.
قال الله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [يوسف: 53].
1488- وعن أَبي الفضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول الله عَلِّمْني شَيْئًا أسْألُهُ الله تَعَالَى، قَالَ: «سَلوا الله العَافِيَةَ» فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلتُ: يَا رسولَ الله عَلِّمْنِي شَيْئًا أسْألُهُ الله تَعَالَى، قَالَ لي: «يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رسول اللهِ، سَلُوا الله العَافِيَةَ في الدُّنيَا والآخِرَةِ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
في هذا الحديث: إرشاد إلى أنه ينبغي لكل أحد سؤال العافية في الدنيا بالسلامة من الأسقام، والمحن، والآلام. والآخرة بالعفو عن الذنوب، وإنالة المطلوب.
وروى الترمذي عن أنس: أنَّ رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيُّ الدعاء أفضل؟ قال: «سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة». ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك. ثم أتاه في اليوم الثالث، فقال له مثل ذلك. قال: «فإذا أُعطيتَ العافية في الدنيا، وأُعطيتها في الآخرة، فقد أفلحتَ».
1489- وعن شَهْرِ بن حَوشَبٍ قَالَ: قُلْتُ لأُمِّ سَلَمة رَضِيَ اللهُ عنها، يَا أمَّ المؤمِنينَ، مَا كَانَ أكثْرُ دعاءِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قالت: كَانَ أكْثَرُ دُعائِهِ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
في هذا الحديث: خضوع منه صلى الله عليه وسلم لربه وتضرعٌ إليه، وإرشاد الأمة إلى سؤال ذلك، وإيماء إلى أن العبرة بالخاتمة.
زاد الترمذي في آخره، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما أكثر دعائك: يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك. فقال: «يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن، من شاء أقام، ومن شاء أزاغ». فقال: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8].
1490- وعن أَبي الدرداءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَانَ مِنْ دُعاءِ دَاوُدَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وأهْلِي، وَمِنَ الماءِ البارِدِ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
خص الماء البارد بالذكر، لشدة ميل النفس ونزعها إليه زمن الصيف، فهو أحب المستلذات إليها.
وفي الحديث: مشروعية الصلاة والسلام على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
1491- وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألِظُّوا بـ (يَاذا الجَلاَلِ والإكْرامِ)». رواه الترمذي، ورواه النسائي من رواية ربيعة بن عامِرٍ الصحابي، قَالَ الحاكم: «حديث صحيح الإسناد».
«ألِظُّوا»: بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمة، معناه: الزَمُوا هذِهِ الدَّعْوَةَ وأكْثِرُوا مِنْهَا.
قيل: إن اسم الله الأعظم هو: يَا ذا الجلال والإكرام.
وعن معاذ بن جبل قال: قد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يقول: يَا ذا الجلال والإكرام. فقال: «قد استجيب لك فسل». رواه الترمذي.
1492- وعن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: دعا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بدُعاءٍ كَثيرٍ، لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا؛ قُلْنَا: يَا رسول الله، دَعَوْتَ بِدُعاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ: «ألا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ؟ تقول: اللَّهُمَّ إنِّي أسَألُكَ مِنْ خَيْر مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم؛ وأعوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا استَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وأنتَ المُسْتَعانُ، وَعَليْكَ البَلاَغُ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللهِ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
في هذا الحديث: مشروعية رفع الصوت بالدعاء بما يسمعه الجليس، وأنه لا يدخل في الجهر المنهي عنه.
1493- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: كَانَ من دعاءِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، والسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ، والغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والفَوْزَ بالجَنَّةِ، والنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ». رواه الحاكم أَبُو عبد الله، وقال: «حديث صحيح عَلَى شرط مسلمٍ».
«موجبات رحمة الله»: امتثال أمره، واجتناب نهيه.
قال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156].
«وعزائم مغفرتك»: أي: الظفر «بالجنة». «والنجاة»: أي: الخلاص من النار.
قال الشارح: وفي ختم المصنف الباب بهذا الدعاء إيماءٌ إلى أن المطلوب من الأدعية كغيرها من الأعمال، وهو أداء العبودية لحق الربوبية، طلب النجاة من النار، ودخول الجنة.
قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
وقال الشاعر:
إن ختم الله برضوانه ** فكل ما لا قيته سهل